"وهنا يبدو جليا أن البرجوازية لم تعد مناسبة لتكون الطبقة المسيرة في المجتمع ولا لأن تضع شروطها في الوجود على أنها قوانين أولية. إنها غير قابلة لأن تسير لأنها ليست أهلا لضمان البقاء لعبدها ضمن بقية العبيد ولأنها لا تستطيع شيئا حيال ترديه لتلك الوضعية، فعليها أن تغذيه عوض أن تتغذى هي منه. إن المجتمع لن يمكنه العيش طويلا تحت تسيير البرجوازية." (بيان الحزب الشيوعي)
على عكس تخيلات القادة العماليون في الماضي عادة البطالة الجملية لتنتشر في كامل أرجاء العالم كورم سرطاني يقضم أمعاء المجتمع العصري حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل حسب الأمم المتحدة 120 مليون عاطل. لكن يمثل هذا الرقم كغيره من الإحصائيات الرسمية للبطالة تخفيفا من شأن الوضعية الحقيقية فإذا ما أضفنا العدد الضخم من النساء والرجال المرغمين على العمل في جميع أصناف الأعمال الثانوية البسيطة فلن يكون رقم البطالة وشبه البطالة أقل من 1000 مليون.
حسب الأرقام الرسمية هناك 18 مليون عاطل عن العمل في أوروبا الغربية فقط أي 10،6 % من النشطين. الرقم في إسبانيا لا يصدق 20 % لكن حتى في ألمانيا "الرجل القوي" في أوروبا بلغ رقم العاطلين عن العمل 4،5 مليون لأول مرة منذ كان هتلر في السلطة. في اليابان أيضا لأول مرة منذ 1930 قفز رقم العاطلين لدرجة مهولة فصورة اليابان كجنة مملوءة عمالا أصبحت اليوم ذكرى من الماضي، فحسب إحصائيات رسمية بلغت البطالة في اليابان 3% لكن هذه النسبة غير صحيحة. فلو استعملوا نفس مقاييس البلدان الرأسمالية الأخرى لما كان الرقم الحقيقي أقل من 8% وحتى 10%.
ليست هذه البطالة بالدورية التي تعود عليها العمال من الماضي والتي تبرز في فترات الركود فقط ثم تختفي عندما ينتعش الاقتصاد بل هي في الوقت الحاضر متفجرة ومنذ ست سنوات في الولايات المتحدة الأمريكية لكن البطالة في العالم لا تبدي أي علامة للانخفاض فكل يوم تطالعنا الصحف بأخبار إغلاق المصانع وطرد العمال (تخفيض العدد حسب الاستعمال الجاري) كل ذلك مرتبط بأنواع الإنصهارات واشتراء وضم الشركات المذكورة سابقا. ليست هذه البطالة بالدورية ولا حتى بتلك التي يدعوها ماركس "جيش العمال الاحتياطي" والتي من وجهة نظر رأسمالية لعبت دورا مفيدا في الماضي. لا ، هذه ظاهرة جديدة تماما فهي دائمة وبنيوية وعضوية ولن تتقلص على ما يبدو حتى بحدوث تفجر اقتصادي.
إلى جانب ذلك فالبطلة تؤثر في قطاعات من المجتمع لم تتأثر قط من قبل : المعلمون والأطباء والممرضون وأصحاب الخدمات المدنية وموضفو البنوك والعلماء وحتى المديرون. مزاج اللاأمان أصبح عمليا منتشرا في كامل أرجاء المجتمع. كلمات ماركس وانجلز المذكورة سالفا أصبحت صحيحة حرفيا. في كل بلد ترفع البرجوازية صرخات الحرب نفسها: "يجب قطع الإنفاق العمومي" ذاك كان شعار تاتشر ومايدجر. وينحني الآن توني بلار وقادة الحزب العمالي اليميني نفس المنحنى. لكن هذا ليس من باب الصدفة فكل حكومة في العالم الرأسمالي يمينية كانت و"يسارية" تتبع نفس السياسة وليست هذه بنزوات سياسي وجهل وإيمان ضعيف (رغم وجود الكثير منه) لكن كل هذا عبارة عن تعابير حية للعمى الذي يعيشه النظام الرأسمالي.
أثناء فترة استعادة النشاط الاقتصادي الرأسمالي من 1948 حتى 1973، توصلت البرجوازية –جزئيا ولمدة مؤقتة– من تجاوز المتضادات الرئيسية التي تلعب دور المكابح الشديدة للتقدم : الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ودولة الشعب. فلطالما كانت القوة الجبارة لوسائل الإنتاج التي خلقتها الرأسمالية أضيق من هذه الحدود. ذلك هو التفسير الحقيقي للأزمة الحالية. بعد الحرب العالمية الثانية، حاولت البرجوازية تجاوز هذا، من جهة بتنفيذ الطرق الكينزية (نسبة إلى كينز Keynes) ضد العجز المالي، ومن جهة أخرى، بتكثيف مهول للتقسيم العالمي للعمل، وبتوزيع مستحدث للتجارة العالمية. لكن بلغت الآن كلتا العمليات حدودهما. فتنفيذ الطرق الكينزية لا يزال يلاقي دفاعا غريبا من طرف المصلحين اليساريين، وأخيرا أدى إلى انفجار للتضخم وإلى عجز لا يطاق وفي كل مكان، تماما كما توقعه الماركسيون مسبقا. لقد شرح ماركس في كتابه رأس المال كيف تتجاوز الرأسمالية قدراتها باستعمال الاعتماد credit. لكن وكما كان السيد مكاوبر Mr Micawberيدرك جيدا فلهذا الأمر حدود. وكنتيجة لهذا فهم الآن مُكرهين لقلب جميع العمليات رأسا على عقب فيشرمون النفقات العامة في محاولة يائسة لإعادة "صوت المال". بمعنى آخر، فهي نفس وضعية العشرينات والثلاثينات من هذا القرن وحتى نفس وضعية أيام ماركس. هذه وصفة منتهية لانفجار الصراع الطبقي في كل مكان. لكن هذا ليس كل شيء.
بخفض النفقة العمومية فهم يقومون في نفس الوقت بخفض الطلب وقطع السوق كلها، تماما في الوقت الذي يعترف فيه حتى الاقتصاديون البرجوازي أنفسهم بأن هناك مشكلا خطيرا في الإنتاج المفرط (overproduction) على الصعيد العالمي. بهذا الشكل فهم يمهدون الطريق لتدهور جماعي في الفترة القادمة. هذه هي النتائج الحتمية لحقيقة أنه في الفترة السابقة وصل النظام الرأسمالي إلى آخر حد له. كما يقول ماركس، لا يمكن للرأسماليين من حل هذه الأزمات إلا بـ"تمهيد الطريق لأزمات أكثر شمولية وأكثر تدميرا، وبتقليص الوسائل التي توقف الأزمة".