و ما يمكن أن نستخلصه من خلال تناولنا للعلاقة بين الإسلام و الماركسية يقودنا إلى القول بأن الدين الإسلامي هو لجميع الناس كيفما كانت الطبقة التي ينتمون إليها و من حقهم أن يعتنقوه، و أن يمارسوا شعائره، و يجتهدوا في تطبيقه، و لا يمكن أن يتحول إلى التعبير عن مصلحة طبقية معينة إلا إذا تم تحريفه عن طريق ادلجته مما يحوله إلى أداة صراع بين الطبقات بدل أن يبقى دينا للجميع، و يدفع كل طبقة إلى التماس ما يناسبها من الإسلام، و توظيفه في ذلك الصراع. و أن الماركسية هي التعبير العلمي عن مصلحة الطبقات المقهورة في المجتمع بزعامة الطبقة العاملة. و هي تسعى إلى بث الوعي في صفوف المقهورين، و إعدادهم لخوض الصراع الطبقي على جميع المستويات للوصول إلى تحقيق المجتمع الاشتراكي. و بأن الإسلام بقيمه السامية يمكنه الانتشار في جميع المجتمعات سواء كانت عبودية أو إقطاعية أو رأسمالية أو اشتراكية نظرا لكونه عقيدة لها علاقة بقناعة الأفراد، و الجماعات، و ليس مذهبا اقتصاديا يقتضي انتشاره إقصاء المذاهب الاقتصادية الأخرى، كما انه ليس أيديولوجية معبرة عن مصلحة طبقية معينة، لأنه لو كان كذلك ما كان استمراره كعقيدة إلى يومنا هذا، و لما وجدناه ينتشر في الآفاق ، و دونما حاجة إلى مبشرين به كما يفعل دعاة المسيحية، و بأن العلاقة بين الإسلام و الماركسية ليست علاقة تناقض كما يراد لها من قبل مؤدلجي الدين الإسلامي بقدر ما هي علاقة تكامل على مستوى القيم و الأخلاق، و أنها لا تكون كذلك إلا إذا تحول الإسلام إلى أيديولوجية، و تحولت الماركسية إلى عقيدة لأن تحول الإسلام إلى أيديولوجية ينافي حقيقة الإسلام، و تحول الماركسية إلى عقيدة ينافي حقيقة الماركسية. فيتحول الإسلام إلى دين للتطرف، و تتحول الماركسية أيضا إلى دين للتطرف، و هو ما تولد عن ادلجة الدين الإسلامي، و دوغمائية بعض التوجهات الماركسية، و لذلك يكون الصدام طبيعيا.
و هذه الخلاصة المركزية هي ما تناولنا بالبسط و التحليل من خلال تناولنا لمفهوم الإسلام كعقيدة و كشريعة، و مفهوم الماركسية كمنهج للتحليل، و الدور الموكول لكل منهما. و تحويل الإسلام إلى إيديولوجية الذي اعتبرناه تحريفا له و تحويل الماركسية إلى عقيدة الذي لا يمكن أن يكون إلا ممارسة تحريفية. و قد استعرضنا من خلال تحليلنا أهداف الإسلام و أهداف الماركسية مع الوقوف على نقط الالتقاء و الاختلاف مجيبين على مجموعة من الأسئلة/الإشكالية لنصل إلى القناعة بأنه لا يوجد تناقض بين الإسلام و الماركسية، كما لا يوجد مبرر للعداء بينهما، و عملنا على تفنيد الاعتقاد بأن المقولة الماركسية "الدين أفيون الشعوب" لا تستهدف الإسلام، و عدم قبول القول بإمكانية قيام إسلام ماركسي أو ماركسية إسلامية.
و بذلك نكون قد خضنا في موضوع اعتقد الجميع انه لم يعد واردا للنقاش، خاصة و انه يقتحم مجال المقارنة بين الإسلام و الماركسية مما يعتبره البعض اقتحاما لعش الضبابير. و هدفنا هو المساهمة في تطوير القراءة الإسلامية للماركسية، و القراءة الماركسية للإسلام في نفس الوقت من اجل تدمير السدود بينهما و التي افتعلها مؤدلجوا الدين الإسلامي و مجمدوا الماركسية في مقولات محددة آملين أن يفسح المجال أمام المسلمين للانفتاح على الماركسية و أمام الماركسيين للانفتاح على حقيقة الإسلام.
و في أفق ذلك نعتبر أن إعادة قراءة الماركسية و إعادة قراءة الإسلام في ظل التحولات الراهنة يعتبر مسألة أساسية و ضرورية و هادفة للوصول إلى مد الجسور بين الإسلام و الماركسية من جهة و بين تحولات الواقع من جهة أخرى على أن يكون التعامل مع الواقع بعيدا عن ادلجة الدين الإسلامي و عن تحويل الماركسية إلى عقيدة.
فهل نرتقي في تعاملنا مع الإسلام و مع الماركسية إلى المستوى العلمي الهادف ؟ ذلك ما كنا و لازلنا نسعى إلى تحقيقه من اجل دعم السعي إلى حماية كرامة الإنسان التي هي جوهر الإسلام و جوهر الماركسية في نفس الوقت.