مقدمة :
مع حلول عصر العولمة، و انهيار المعسكر الاشتراكي و سيادة الرأسمالية الهمجية المتجسدة في اقتصاد السوق. و ظهور بوادر مقاومة من نوع جديد لهذا الاقتصاد، و تكثيف الحديث عن حقوق الإنسان الذي يعكس الغياب الفعلي لهذه الحقوق، و حلول خطر "الإرهاب" محل "الخطر الشيوعي" الذي وظفت لمقاومته إمكانيات ضخمة، لا من اجل القضاء عليه، لأنه ليس موجودا أصلا، بل من اجل القضاء على النظام الاشتراكي الذي يستقطب أنظار الشعوب المقهورة، و كاد الحديث عن الماركسية يختفي من الكتب، و المجلات، و الصحف، و سائر وسائل الإعلام، و كأن الماركسية أصبحت سبة يتجنب الجميع أن ينعت بها. و اصبح العديد من الماركسيين، الذين نفتخر بكتاباتهم يعلنون توبتهم أمام أعتاب أنظمة البترودولار. و في نفس الوقت يتم الترويج لخطابات المتنبئين الجدد بكل الوسائل الممكنة و خاصة إذا كانوا "ماركسيين" سابقين، و غير الممكنة لمحاربة الفكر الاشتراكي العلمي، و تصبح الشعارات الأيديولوجية المنسوبة إلى "الإسلام" هي الهدف الذي تستقطب شعوب المتنبئين الجدد إلى تحقيقه.
فحلول عصر العولمة هو تتويج لخطة رأسمالية إمبريالية همجية تسعى إلى تحقيق السيطرة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية على شعوب الأرض التي توظف لمحاربة الفكر الماركسي على أساس انه ينشر "الإلحاد" و "الكفر" بين المسلمين، و تقديم الدعم الذي لا حدود له لأقلام المتنبئين الجدد التي تبشر ب"الإسلام". و تنشر "الفكر الإسلامي" الذي لا يمكن اعتباره إلا أيديولوجية ظلامية تستهدف تقويض الفكر العلمي، و زعزعة المنهج العلمي الذي هو جوهر الماركسية لتمهيد الطريق أمام اكتساح النظام الرأسمالي العالمي للقارات الخمس، و السطو على الخيرات الاقتصادية و استغلال الموارد البشرية و تعميم اقتصاد السوق، و بسط الطرق و الممرات أمام الشركات العابرة للقارات، و إغراق الأنظمة التابعة بالمزيد من الديون.
و بالمقابل ف "الإسلام" انطبع في أذهان الناس في جميع أنحاء العالم بما اصبح يعرف بالإسلام السياسي الذي يقود الثورة المضادة للحركة الماركسية بكل الوسائل الممكنة، و ضد الأنظمة التابعة، و على رأسها الدولة الصهيونية التي قاومها الماركسيون منذ البداية، من اجل الوصول إلى السيطرة على الكرة الأرضية بعد أن تلقوا دعما محدودا من قبل أمريكا لمقاومة "المد الشيوعي" و إلى جانب "الإسلام السياسي" هناك "الإسلام" الرسمي الذي تحتمي به الأنظمة التابعة التي توظفه لقهر شعوب المسلمين المقهورة خدمة لأمريكا، و محاربة الماركسية المتجسدة في حركاتها كأحد اوجه تلك الخدمة.
أما الإسلام الحقيقي الذي يبث القيم النبيلة في نفوس المسلمين و مسلكياتهم الفردية و الجماعية، و يوطد الروابط الروحية و الاجتماعية بين المسلمين في كل البلاد الإسلامية، هذا الإسلام هو ما يصطلح على تسميته بالإسلام الشعبي لامتزاجه بالعادات و التقاليد و الأعراف، و براءته من الممارسة الاسلاموية الرسمية و التي تختزل الإسلام في مجموعة من التيارات "الإسلامية".
و في هذا الإطار سنعالج العلاقة بين الإسلام كعقيدة و كشريعة ، و بين الماركسية كمنهج للتحليل و كهدف، واقفين على الشروط التاريخية التي ظهر فيها الإسلام، و الشروط التاريخية التي ظهرت فيها الماركسية، و اختلاف دور الإسلام عن دور الماركسية، و لجوء التيارات "الإسلامية" إلى تحويل "الإسلام" إلى ممارسة أيديولوجية مما يمكن اعتباره ممارسة تحريفية، واقفين على أهداف الإسلام و أهداف الماركسية و مجيبين على السؤال : ما هي نقط الالتقاء، و نقط الاختلاف ؟ و مستشفين حقيقة عداء الإسلام للماركسية و هل هو عداء حقيقي و أصيل في الإسلام ؟ أم هو مجرد ادعاء أيديولوجي ؟ و كذلك حقيقة عداء الماركسية للإسلام و هل هو قائم في الفكر الماركسي و الممارسة الماركسية ؟ أم انه مجرد افتعال من قبل المتمركسين ؟ و عاملين على الإجابة على السؤال هل يصح إطلاق المقولة الماركسية "الدين أفيون الشعوب" على الإسلام ؟ أم انه مجرد زعم لا علاقة له بالشروط التاريخية التي جاءت فيها تلك المقولة ؟ و مستعرضين بعض اوجه ظلم بعض الماركسيين للإسلام، و ظلم الإسلاميين للماركسية و واقفين على إمكانية لاهوت إسلامي ماركسي، و على كرامة الإنسان بين الإسلام و الماركسية مستقبلا. و بذلك نكون قد قمنا بتحليل موضوعي للعلاقة بين الإسلام و الماركسية كمساهمة لمد الجسور بينهما من اجل مواجهة المد الرجعي المتخلف المتمثل في واجهتين : واجهة همجية اقتصاد السوق، و واجهة المتأسلمين الذين يؤدلجون الدين الإسلامي لتحقيق أهداف طبقية و سياسية معينة.