يبدو من خلال النظرة الأولى وكأن إعادة نشر بيان الحزب الشيوعي يتطلب شرحا ما. فكيف يمكن لأحدنا تفسير طبعة جديدة لكتاب أُعِدّ منذ 150 سنة تقريبا؟ لكن في الحقيقة، بيان الحزب الشيوعي هو من أكثر الكتب حداثة. ويمكن بسهولة التدليل على هذه الحقيقة. فإذا ما تفحصنا أي كتاب لبرجوازي كتب منذ ما يقارب القرن ونصف القرن حول نفس هذا الموضوع فسيبدو جليا أن مثل ذلك العمل لا يقدم إلا فائدة تاريخية بدون أي ذرة قابلية للتطبيق عمليا. في حين أن هذا العمل –بيان الحزب الشيوعي– يقدم لنا بكلمات معدودة تحليلا عميقا وشرحا ذكيا لأهم الظواهر التي تشغل اهتمامنا في عالمنا المعاصر.
في الحقيقة إن بيان الحزب الشيوعي أكثر صدقا الآن مما كان عليه عندما ظهر لأول مرة سنة 1848. فلنتناول مثالا واحدا على ذلك. كان عالم الشركات متعددة الجنسيات في الوقت الذي كان فيه ماركس وانجلز يكتبان ما يزال أمرا بعيدا لم يكن ليتحقق إلا في المستقبل البعيد، لكن رغم ذلك فقد شرحا كيف أن "التجارة الحرة" والمنافسة ستؤديان لا محالة إلى تكدس رأس المال وإلى احتكار قوى الإنتاج. بصراحة إنه لأمر مضحك قراءة بيانات يدعي فيها مدافعون عن الرأسمالية أن ماركس قام بأخطاء بخصوص هذه المسألة في حين أنها كانت واحدة من أكثر توقعاته ذكاء بلا نقاش.
أصبح في الثمانينات من الموضة إعلان "الصغير جميل". ليس هذا مكان للدخول في نقاش بخصوص العلاقة الجمالية للكبير والصغير والمتوسط الحجم أين يمكن لأي حامل رأي التدخل، لكنها حقيقة غير قابلة للجدال تماما تلك التي تخص مرحلة تركز رأس المال التي توقعها ماركس، فهي حقيقة تقع ووقعت وبالطبع بلغت درجة لم يسبق لها مثيل في من خلال العشر سنين الأخيرة.
يمكن مشاهدة العملية في شكل أوضح في الولايات المتحدة الأمريكية أين يضم 500 من المحتكرين العمالقة 92 بالمائة من كل دخل سنة 1994. أما في الميزان العالمي، فأضخم ألف شركة تمتلك دخلا يقدر بثمانية مليارات دولار أي ما يعادل ثلث أرباح العالم الجملية. في الولايات المتحدة 0،5 بالمائة من أغنى العائلات يمتلكون نصف الأرباح المالية المحققة بفضل الأفراد. أغنى واحد بالمائة من الشعب الأمريكي رفعوا أسهمهم للناتج القومي من 17،6 سنة 1978 إلى رقم مذهل: 36،6 سنة 1989.
لقد بلغت مراحل تمركز وتركز رأس المال نسبا خيالية، فقد أصبح رقم أصحاب النفوذ يشكل وباء في طريق تقدم البلدان المصنعة حيث حطموا سنة 1995 كل الأرقام القياسية فقد انصهر بنك ميتسوبشي Mitshubishi وبنك طوكيو ليكونا أكبر بنك في العالم. كذلك خلق اتحاد تشايس مانهاتن Chase Manhattan وكيميكال بانك Chemical Bank أكبر فريق بنكي في الولايات المتحدة باحتياط جملي يقدر ب297 مليار دولار. كما انصهرت أكبر شركات الترفيه في العالم عندما اشترت والت ديزني Walt Disney كابتل سيتي آي بي سي Capital Cities/ABC وواستنهاوس Westinghouse سي بي سي CBS كما اشترت تايم ورنر Time Warner تورنر برودكاست سيستمز Turner Broadcasting Systems .في مجال الصيدلة اشترت كلاكسن Glaxo ولكام Wellcome. أيضا خلق إشتراء كيمبرلي كرارك Kimberly-Clark لسكوت بايبر Scott Paper أكبر منتج للأوراق في العالم. هوس الإشتراء منتشر في أوروبا أيضا بأرقام قياسية حُطمت منذ أسابيع قليلة، حيث مرت سويسرا بتجربتها الأولى في ضم الشركات عند ابتياع مجموعة الأوراق هولفيس Holvis. وفي بريطانيا نرى سلسلة من الإبتياعات الأخرى، مثل اشتراء فورت Forte، أكبر سلسة نزل، لخصمتها إمبراطورة الترفيه والمتعة، غراندا Granada مقابل 3.2 مليار جنيه إسترليني. في العديد من الحالات تكون مثل تلك الإبتياعات مرتبطة في السرية بكل أنواع المعاملات الخفية : صفقات داخلية ، تزوير أسعار الأسهم وأنواع أخرى من الاحتيال والاختلاس والغش التي كشفها كتاب الأرقام القياسية للفضائح.
لن يكون من الصعب تقديم أرقام أخري تكون حجة غير قابلة للدحض تثبت أن ماركس وانجلز كانا صائبان في تحليلهما لمراحل تركز رأس المال. هذا التركز لا يعني نموا في الإنتاج بل العكس تماما، فلم يكن الدافع في كل تلك الحالات الاستثمار في حقول ومجالات جديدة بل كان لإغلاق مصانع ومكاتب موجودة وصرف أعداد كبيرة من العمال لهدف رفع حدود الأرباح بدون زيادة في الإنتاج.