هي آسية خير نساء العالمين.... زوجة فرعون في الدنيا .... وزوجة سيد الكون محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة ...... هي آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد وكانت من بني إسرائيل....... وقد خطب فرعون آسية من أبيها وكانت ذات جمال رائع وقد وصفت له فشق ذلك على أبيها وضاق ذرعا بهذا الطلب ولكنه لم يستطع أن يرفض طلب هذا الطاغية.......وقيل أيضا أن أبا آسية رفض بادئ الأمر ولكن فرعون إصر وساق له مهر ابنته وتزوجها. وفي رواية أخرى: إن أبا آسية رأى في منامه قبل أن تولد آسية كأن جوهرة في حجره فأتى غراب فانقض عليها ولما ذهب إلى المفسرين قالوا له: تولد لك جارية وتكون تحت رجل كافر.
وكان إن تزوجها فرعون. ..... عاشت آسيــــة في قصر فرعون عيشة الترف والنعيم ولكن هذه العيشة لم تبعدها عن الله عز وجل فقد كانت مؤمنة تكتم إيمانها خوفا من فرعون....... وبعض المصادر تشير إلى إن فرعون لم يستطع الاقتراب منها لقضاء حاجته الزوجية فقد عصمها الله منه فكيف وهى المسلمة المؤمنة وهو الطاغية الكافر فرضي فرعون بالنظر إليها.
وأتت أيام الربيع فقالت آسية لفرعون: هذه أيام الربيع فأمر لي بضرب قبّة على النيل لكي أتنزّه في هذه الأيام الجميلة. فأمر فرعون بضرب قبةٍ لها على الشطّ، وخرجت هي مع لمّةٍ من جواريها.............. وبينما الجواري على الماء.. إذ رأين الأمواج تعلو وتهبط بشيء، ورأت آسية الصندوق في وسط الغمر، فقالت للجواري: ما ترين؟ قلن: يا سيدتنا، إنا لنرى شيئاً كما ترين.. وأتى الماء بالصندوق إلى القرب منهن، فاندفعن في الماء حتى أخذنه، وقد كاد أن ينفلت من أيديهن........... فأخذنه إلى سيدتهن وفي حسابهن أن به مال من الذهب والجواهر............... وفتحت آسية التابوت فوجدت فيه طفل من احسن الخلق واجمله وحين نظرت اليه كان سيدنا موسى ينظر إليها بابتسامة فالقي الله محبته في قلبها...... وهم فرعون بقتله
فقالت آسية :- ((قرة عين لي ولك لا تقتلوه قال فرعون: قرة عين لك أنت أما أنا فلا حاجة لي به........... وفرحت به فرحا كثيرا حيث لم يكن لها أولاداًً ......ورجته من فرعون ان لا يذبحه ثم قال:- لا بل يذبح فاني اخاف ان يكون هذا المولود هو سبب زوال ملكي. فتوسلت اليه آسية فتركه لها...... فعرضوا عليه المراضع فلم يقبل منهن ثديا، وكلما تقدّمت النساء إلى موسى، لتلقمه ثديها، أعرض عن الثدي، فتحيّرت آسية في أمره.. ماذا تصنع به؟. ..... وحزنت اسية لذلك .... فقالت ابحثوا له عن مرضعه خارج القصر لعلهم يجدون امرأة تصلح لرضاعته.... ثم أمرت جواريها أن يطلبن كلّ امرأة مرضعة أو ذات لبن، ولا يحقرن أحداً كيف ما كان شأنها ومنزلتها فلعل موسى يقبل إحداهن.. فلما رأته اخته مريم ( وهي ليست السيدة مريم العذراء) بأيديهم عرفته ولم تظهر ذلك لهم ولم يشعروا بها..... واراد الله تعالى ان يرجع موسى الى امه واسمها ( يوكابـــد) لترضعه وهي مطمئنة حيث وعدها الله سبحانه وتعالى عندما رمته بمياه النيل بقوله تعالى :- ((انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين)).......
فقالت اخته لهم :- هل ادلكم على اهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون. فاحاطوا بها يسألونها فقد رابهم ما سمعوا منها .... وقالوا لها ما يدريك انهم له ناصحون لا شك انك تعرفينهم؟ او انك تخفين امرا...... فقالت لهم : ليس الامر كما تظنون كل ما اعرفه عنهم انهم اناس عرفوا بالرحمة وطيب القلب فلا شك وانهم سيرحبون بالطفل رغبة في سرور الملك ورجاء لفضله....... ثم ذهبوا معها الى المنزل حيث كانت ام موسى ((يوكابد )) تقاسي اشواقها وتزداد همومها على الصغير الغالي ثم دخلوا على ام موسى ولم تصدق نفسها من اغلى مفاجأة لها...... فتماسكت اعصابها وامسكت صرخة فرح كادت تخرج من لسانها....... فاعطته ثديها فالتقمه ورضع حتى ارتوى فما كان اشد عجب القوم عندما التقم الثدي...... وأخذوا أم موسى (( يوكـــابد )) الى قصر فرعون حيث رجتها آسية ان تقيم معها لترضع موسى
وقالت لها :- هل تبقي وترضعي إبني الحبيب؟ ....... ولكنها اعتذرت اليها ان لها بيتا وعيالا وليست بتاركتهم ابدا، فهي لا تستطيع ان تكبت عواطفها واشواق امومتها كي لا يستريب القوم من امرها وهو شيء لا تطيقه امومتها. او ان تترك نفسها على سجيتها فتدفع بالوليد الى المذبحة فهي بين امرين احلاهما مر...
فقالت لها :- إن شئت أخذته وأرضعته في بيتي فأنا أخاف أن ارحل أنا وقومي فأصرت أن تأخذه وبقيت بين أمرين أن تأخذه إلى بيتها أو أن تبقى في القصر..... ولشدة حب آسيــــــة لسيدنا موسى ورقة قلبها وما رأت من خير في يوكابـــــد في انها ستحسن رضاعة موسى ...... قبلت آسية ما اشترطت عليها يوكابــــد فرجعت به يوكابد الى بيتها لتروي عواطفها وتشبع غريزة امومتها. ورده الله اليها كما وعدها. ان الله لا يخلف الميعاد....... وبقيت يوكابد ترضع سيدنا موسى وتنعم بالنعيم والترف الذى آل اليها ولرقة آسيـــــة ومعاملتها لها بكل دلال ومحبة وذلك كله من محبتها لسيدنا موسى .... فتربى هذا الطفل في كنف احن وارق الامهات (( آسيــــة ويوكابــــد ))،،واستغنى موسى عن الرضاع، وماتت الأم، وبقي موسى في حجر آسيــــه وفرعون، يكلأه الله برعايته ويربيه فرعون ينظر إليه نظر الأب إلى ابنه...... وفي ذات يوم حدث أن موسى ـ وهو غلام صغير يدرج ـ عطس عطسةً فقال: الحمد لله رب العالمين. فأنكر فرعون ذلك عليه، ولطم موسى على وجهه وقال: ما الذي تقول؟ فوثب على لحية فرعون ـ وكانت طويلة ـ فقلع بعضها! فهمّ فرعون بقتله! قالت آسية ـ متشفعةً ـ : إنه غلام ....حدث لا يدري ما يقول. فقال فرعون: بلى يدري. قالت آسية: فامتحنه: ضع بين يديه تمراً وجمراً، فإن ميّز بينهما، فافعل ما تريد. فأمر فرعون بأن يوضع إزاء موسى طبقاً من تمر وكانوناً من جمر.. فمدّ موسى يده إلى الجمر، ووضعه في فمه.. فاحترق لسانه ويده، وبكى بكاءً مراً!!!!! فقالت آسية لفرعون: ألم أقل لك: إنه لا يعقل.
فعفا فرعون عنه....... وكبر وترعرع إلى أن اصبح نبي الله وكليمه موسى عليه الصلاة والسلام....... وقد عاشت في قصر فرعون وكانت تخالف زوجها في العقيدة والرأي، لكنّها كانت تسرّ معتقدها، خوفاً من سطوة فرعون الجبار الطاغي. وتعبد الله سرا وكانت على هذه الحال إلى أن قتل فرعون امرأة حزقيل الماشطة وكانت الأخرى مؤمنة تكتم إيمانها فقد روي انه بينما كانت الماشطة تمشط ابنة فرعون آذ سقط المشط من يدها فقالت بسم الله..... فقالت ابنة فرعون:- انت تقصدين ابي..... فقالت الماشطة:- بل ربي ورب أبيك ورب العالمين. .... فغضبت ابنة فرعون واخبرت اباها فرعون بذلك فاحضر الماشطة فسألها؟ وقالت : نعم اننى مؤمنة باله موسى. فأمر بها فرعون فمدت على أربعة أوتاد وبقيت تحت التعذيب حتى ماتت....... وكانت آسية تراقب من نافذة في قصر فرعون وتنظر إلى الماشطة امرأة حزقيل كيف تعذب وتقتل وكانت آسية تعتصر ألما وحزنا على الماشطة فلما قتلت الماشطة عاينت آسية الملائكة وقد عرجت بروحها لما أراد الله تعالى من كراماتها وما أراد لها من الخير فازدادت يقينا بالله وتصديقا فبينما هي كذلك ..... وعندما دخل عليها فرعون وأخبرها بخبر الماشطة امرأة حزقيل وما صنع بها. استشاطت آسية غضبا وقالت: الويل لك يا فرعون ما أجرأك على الله تعالى. فقال لها: لعلك قد اعتراك الجنون الذي اعترى صاحبتك ؟ فقالت: ما اعتراني جنون ولكنى آمنت بالله ربى وربك ورب العالمين. فغضب فرعون منها. وضاق ذرعا بما بدر من زوجته آسية...... وحاول أن يثنيها عن رأيها وبعث إلى أمها كي ترجعها إلى رشدها حسب زعمه. ولكنها كانت قوية الإيمان بالله ربها.
ولما لم تفلح محاولاته فيها أمر بها فمدت بين أربعة أوتاد، عندما كانت تعذّب انزل الله عليها الملائكة تريها منزلتها ومكانتها في الجنة ، فكلما ازداد العذاب ازدادت ابتسامتها وفرحتها بما تراه من منظر في الجنة ، فكان الحرّاس يستغربون من الأمر فيسألونها ما بك تضحكين وتفرحين فإذا بها تقول إني أرى منزلتي ومكانتي في الجنة....... ثم ما زالت تعذب حتى لقيت وجه ربها. قال تعالى: (وفرعون ذي الأوتاد) وقد ذكرت قصتها بالقرآن الكريم: (((وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون اذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجنى من فرعون وعمله ونجنى من القوم الظالمين(((......... ويكفينا أن نقول: أن اسمها جاء مقرونا مع مريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ـ رضي الله عنهن وأرضاهن ـ. فقد جاء في الحديث ما أخرجه الشيخان. عنه صلى الله عليه وسلم.(( خير نساء العالمين مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((حسبك من نساء العالمين أربع مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد))...... وقد بشر سبحانه وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن يزوجه في الجنة بمريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم ـ رضي الله ........ فهذه آسية بنت مزاحم المؤمنة المخلصة التي أحتضنت سيدنا موسى عليه السلام ورعته في طفولته وصباه والتي اختارها رب العالمين أن تكون إحدى زوجات نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة.