بقلم د: يوسف ديب
تأتي الذكرى السنوية للحرب على غزة, وكأن الحرب ما زالت قائمة, ولم تنتهي فصولها المروعة لغاية الآن, خاصة إذا كنت قد عايشت هذه الحرب,وكنت شاهدا على فصولها التي لم تنتهي ,هذه الحرب والتي أعطت الصورة الحقيقة للجيش
الإسرائيلي , والذي ظل لسنوات يخادع العالم بأخلاقياته المزيفة وبأنه أكثر الجيوش أخلاقية في هذا العالم.
لقد كان الجيش الإسرائيلي يعاني الكثير من المشاكل النفسية خاصة بعد حرب لبنان, وأن قطاع غزة ولسنوات يشكل معضلة كبيرة لهذا الجيش, لذ كان هم القيادة العسكرية والسياسية هو رد الاعتبار لهذا الجيش وتركه ينتصر على طريقته الخاصة وذلك دون أي قيود أو ضوابط أخلاقية أو قانونية أو أعرافيه متفق عليها سواء اتفاقيات جنيف أو غيرها من الاتفاقيات الدولية. وكانت قيادات الجيش الإسرائيلي ترفع شعار "دعوا الجيش ينتصر" هذا هو مطلب القيادة العسكرية من القيادة السياسية.
كذلك فقد التجأت القيادة العسكرية إلى المؤسسة الدينية, لتهيئة الجيش فبل حربه على غزة, ولرفع معنوياته,وإعطاء التبرير الديني للجرائم وللتصرفات اللا أخلاقية,التي مارسها الجنود في الحرب ,من قتل وسرقة وقذارة تركوها ورائهم في المنازل والبيوت والشقق التي كانوا يدخلونها
وأمام تلك الحرب والتي حددت أهدافها المعلنة وهي : ردع السكان الآمنين وإيقاف الصواريخ المحلية الصنع والتي تشكل مصدر إزعاج لهم.فقد تحقق الانتصار المزعوم على ضوء الهدفين المعلنين, ولكن لا بد من وقفة أمام هذين الهدفين للحرب: هل تم فعلا ردع السكان الآمنين؟ وما هي معايير هذا الردع ؟, مما لاشك فيه فأن الفلسطينيين في غزة قد صمدوا في وجه أعتى قوة وسلاح في الشرق الأوسط ,ولم يفكر أي شخص بترك غزة وتكرار اللجوء مثلما حدث عام 1948 وعام 1967وهذه نقطة تسجل لصالح الصمود الفلسطيني ووعيه. كذلك فأن الموت لم يرهب الغزاوي كونه أعتاد عليه وأصبح حدثا عاديا في حياته.فقد كان الناس يدفنون موتاهم ويسلموا أمرهم لله وتستمر الحياة على هذا المنوال.
أما بالنسبة للصواريخ , فأنها لم تتوقف طيلة فترة الحرب, وأن خفت وتيرتها في الأيام الأخيرة إلا أنها لم تتوقف, فهل تحققت الأهداف المعلنة لهذه الحرب,الجواب كلا ,والدليل على ذلك بأن الإسرائيليين ما زالوا يدقون طبول الحرب كل يوم,ويهددون ويتوعدون.
أما الأهداف غير المعلنة للحرب فهي : أعادة الاعتبار للجيش بعد حربه على لبنان وكسر عقدة غزة, والتي كان واضحا على الجنود وهم يأخذون الصور التذكارية أمام الدمار الذي يخلفونه وهم فرحين.فأي فرح لجيش يقضي حاجته في الحفاظات المخصصة للعجزة والمقعدين؟ويعتبر عمل بطولي له أخذ الصور وبسرعة البرق للعودة إلى دبابته.كذلك وإظهار التواطىء العربي والدولي لهذه الحرب, وأن على أهل غزة مواجهة مصيرهم بنفسهم, وهكذا فعلوا,لكنهم لم يرفعوا الراية البيضاء ولن يرفعوها.
نعم أنها الحرب , فقد مارس الجيش أفظع الجرائم , بل وقد فاق ما فعله النازيون في الحرب العالمية الثانية, وأستخدم كل ترسانته من الأسلحة والمحرمة دوليا ومن يبقى من ترسانته إلا استخدام السلاح النووي.
نعم أنها ذكرى مأساوية وحزينة لأهل غزة , وخاصة أن هذه الحرب مازالت ماثلة للعيان ,الدمار والخراب,أينما اتجهت وأينما نظرت, لكن بالمقابل الإصرار والتحدي والصمود,أنه تحدي الموت,وأنه قد طاب ,هكذا كان شعار الشرفاء والمناضلين عبر العصور.
بقلم د : يوسف ديب