يتم استغلال الممارسة الديمقراطية لأهداف غير ديمقراطية قد تجلب البلاء والخراب للذين يدعوها ويمارسوها
تمتعت سويسرا لسنوات عديدة بالحيادية الايجابية ,مما أعطاها المكانة والاحترام اللائقين في العالم, ولكن سرعان ما تبخر هذا الاحترام وبسرعة اكبر من حيازته تحت مسمى التعبير الديمقراطي الحر للشعب السويسري,والذي لربما نسي بأن زعيم النازية هتلر قد أتى للسلطة عبر الطرق الديمقراطية وهو الذي أوصل العالم إلى آتون حرب ما زلنا نعاني من أثارها إلى يومنا هذا .
إن الاستفتاء بحد ذاته وعلى أمر مسلم به عالميا وإنسانيا لا يجوز حتى التفكير به لأنه يتناقض أصلا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي وقعت عليه جميع الدول الأعضاء والمشاركة في الأمم المتحدة وتلتزم به أيضا , وان أي إجراء ضد مبادئ هذا الإعلان يشكل سابقة خطيرة تستدعي التدخل الدولي والقانوني لوضع حد للتجاوزات والتي لا تتفق مع ابسط القواعد العالمية لحقوق الإنسان.
لقد كفلت جميع المواثيق الدولية حرية العبادة والمعتقد,ومنحت الحصانة لكافة أماكن العبادة, الأ أن اليمين المتطرف السويسري لم يستهدف الدين الإسلامي والمسلمين لوحدهم, بل جميع الأديان والمعتقدات,مما يفتح شهية الفاشيين الجدد والمتطرفين على المضي قدما في إثارة الفتن ونشر ثقافة الكراهية بين الشعوب كون هناك أصبحت سابقة, وهذا ما يعيدنا إلى الأجواء التي مرت بها مرحلة نشوء النازية والفاشية وازدهارها.
في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأصدرته. وبعد هذا الحدث التاريخي، طلبت الجمعية العامة من البلدان الأعضاء كافة أن تدعو لنص الإعلان و"أن تعمل على نشره وتوزيعه وقراءته وشرحه، ولاسيما في المدارس والمعاهد التعليمية الأخرى، دون أي تمييز بسبب المركز السياسي للبلدان أو الأقاليم".
ومما جاء في المادة(18):
لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة.
كذلك فقد نصت الاتفاقيـة الأوروبية لحمـاية حقـوق الإنســان والحـريات الأســاســية في المـادة 9: حرية التفكير، والضـمير والدين
1-لكل شـخص الحـق في حرية التفكير والضـمير والدين، ويشـمل هذا الحـق حرية تغيير دينـه أو معتقـده، وكذلك حرية التعبيـر عنهما أو تعليمهما، بإقامـة الشـعائر أو ممارسـتها أو رعايتها، بطـريقة فردية أو جمـاعية، وفي نطـاق علنـي أو خاص.
وكذلك المـادة 14 منع التمييز
لا تخضـع ممارسـة الحقـوق والحريات التي نصّـت عليها هذه الاتفاقيـة لأي تمييز أسـاسـه الجنـس، أو العرق، أو اللون، أو اللغـة، أو الدين، أو الآراء السـياسـية، أو أية آراء أخرى، أو الأصـل الوطني والاجتمـاعي، أو الانتمـاء إلى أقليـة وطنيـة، أو الثروة، أو المنشـأ، أو أي وضـع آخر.
وأمام هذه المعطيات , فأن ردة الفعل الطبيعية والمنددة بنتائج الاستفتاء سواء على الصعيد الأوروبي أوغيره لخير دليل على استشعار الخطورة من هذا الأجراء , والذي حتما سينعكس سلبا على العلاقات السويسرية الإسلامية والعربية وسيزيد من الكراهية والحقد, وسيمد ويغذي المتشددين والمتطرفين سواء كانوا إسلاميين أم سويسريين لنشر ثقافة الحقد والكراهية وللقيام بالأعمال الإجرامية والإرهابية تحت مسميات متعددة والتي لا يحمد عقباها على المستوى القريب أم البعيد.
أن نتائج الاستفتاء قد وضع مكانة سويسرا على المحك, وقد يعرض مصالحها ومواطنيها للخطر, وهي حتما ستدفع ثمن نتائج هذا الاستفتاء الذي لايمتلك أي سند قانوني أو واقعي.
أن ما بناه السويسريون في عشرات السنين استطاعوا هدمه في ساعات,بسبب الاستهتار بالحريات الأسـاسـية التي تّعد أسـاس العدالـة والسـلام في العالم، والتي تعتمـد أصـلا على نظـام سـياسـي ديمقراطـي فعلـي، من جهـة، وعلى مفهـوم واحد واحتـرام مشـترك لحقـوق الإنسـان التي تنادي بها، من جهـة ثانيـة.
فعليهم أن يعوا بأن منع بناء المآذن أو الآذان في المساجد لن يحد من أيمان المسلمين, بل سيزيدهم تمسكا بدينهم ومعتقداتهم, لأن إيمانهم راسخ في قلوبهم وهو ليس ظاهرة فاشية أفرزها مجموعة من الخنث وحلقي الرؤوس,وان المسلمين يعرفون بأن هذا ليس أول تحد لهم ولن يكون الأخير,مادام هذا الدين ينبض في شرايين المسلمين.
أن الذين يتوهمون بأن حركة التاريخ ستعود إلى الوراء واهمون لأن البشرية قد قطعت شوطا من الرقي والتحضر ولن تسمح للمتطرفين أيا كانت انتماءاتهم بالتطاول والتمادي على قوانين الطبيعة والتي كان للخالق إن وضع نواميسها وجعل التوازن بين الإنسان والكون قائما مادام الكون عامرا.
إن لجوء المواطنين المسلمين في الدول الأوروبية إلى المحكمـة الأوروبيـة لحقـوق الإنســان سيكسب هذه القضية بعدا قانونيا وأنسانيا وستكون هزيمة شنعاء لأعداء الحياة والحرية الأمن والاستقرار.
د: يوسف ديب