هو أحد أعظم فلاسفة الإغريق عبر التاريخ.
وُلِدَ سنة 469 ق.م. ولم يحصل سوى على النزر اليسير من التعليم في بواكير عمره. لكنه اطلع فيما بعد على ذخيرة الفكر والفلسفة اليونانية وتبحّر في ثقافة أهل أثينا حتى أصبح علماً من أعلامها يشار إليه بالبنان.
مارس سقراط النحت لفترة من الزمن لكنه تخلى عن تلك المهنة وراح يجوب شوارع أثينا وأسواقها متحدثاً إلى كل شخص يقابله. أما حديثه فكان يدور في معظم الأحيان حول الروح والخلود والأخلاق الفاضلة.
عمل ما بين عامي 432 و 429 ق.م في معسكر بوتيديه وحارب في معركتي ديليوم وأمفيبوليس. وبعد معركة أرجينوسا رفض أن يلعب أي دور آخر في الحياة العامة، لا سيما عندما طالب المشاغبون بإعدام عشرة جنرالات لم يتمكنوا من دفن الموتى في تلك المعركة. وبالمثل فقد رفض الدكتاتورية رفضاً قاطعاً عندما أمره الدكتاتوريون باعتقال ليون سلاميس الذي كان بريئا من التهم الموجهة إليه.
عمل سقراط أستاذاً لكنه لم يكن محبوباً من قبل مواطني أثينا. كان أصلعاً، غليظ الشفتين، مفلطح الأنف وقبيح الشكل. أضف إلى ذلك ثيابه الرثة التي لم تكن أحسن حالاً من ثياب الشحاذين.
وقد حاول اختزال احتياجاته إلى أدنى حد ممكن تشبهاً بآلهة الإغريق من حيث الكمال والترفع عن الماديات.
أما زوجته زنثيب فقد كانت – على ذمة المؤرخين – امرأة شرسة الطباع، سليطة اللسان، عيّابة، عيّارة، نقـّاقة، مُلحة ومُلحفة في الإنتقاد وقد تحمّلها كضرب من التهذيب الذاتي والرياضة الروحية.
كان عنده العديد من الأصدقاء المستنيرين من بينهم أفلاطون وكريتو وألسيبياديس وزينوفون وفيدون وأقليدس وميغارا وأرستيبوس. ومع ذلك فقد كان عمله محصوراً مع شباب أثينا الذين أرادهم أن ينتهجوا سلوكاً أدبياً ويتمرسوا بالأخلاق الفاضلة. أما مثله الأعلى فقد كان معرفة الإنسان نفسه، وكان لا يكف عن الترديد ’اعرف ذاتك‘.
الشر بالنسبة له كان ثمرة للجهل. أما الطيّب والنافع والجميل فقد اعتبره واحداً من حيث الجوهر بالرغم من اختلاف المسميات. وكان يقول: ما من أحد يفعل الشر بمحض إرادته وأن الفضيلة يمكن تلقينها لمن يرغب في أن يصبح فاضلا.
كما كان يقول أن أفضل الحكام أحكمهم وليس بالضرورة أكثرهم تحصيلا للعلم. لأن الحكام الحكماء يشعرون بمسؤولية تجاه الناس فيسعون لإسعادهم ويعملون على تحسين أوضاعهم.
طريقته المعروفة بالسقراطية اكتسبت شهرة واسعة في كل بلدان حوض البحر المتوسط، إذ كانت عبارة عن استجواب يغري حتى أذكى الناس بالنقاش والتباين في وجهات النظر. وكان يخفي معرفته خلف ستارة من الجهل المفتعل. وعن طريق سلسلة من الأسئلة المنتقاة بعناية استطاع معرفة ما أراد معرفته من كل الذين حاورهم أو استمع إليهم.
في عام 399 ق.م حُكم عليه بالموت بتهمة المناداة بآلهة جديدة ورفضه لعبادة مقدسات المدينة وإفساده لأخلاق الشباب. وأثناء المحاكمة دافع عن نفسه بما عرف بمبررات سقراط لكن هيئة المحلفين المؤلفة من 500 فرداً أدانته بأكثرية ضئيلة.
في صباح اليوم الذي شهد موته طرد زوجته السيئة الخلق من زنزانته بسبب عويلها وصراخها الصاخب. ويقال بأنه صرف الساعة الأخيرة من حياته بهدوء وسكينة متحدثاً إلى أصدقائه عن خلود النفس.
مع بزوغ الفجر شرب سم الشوكران المُعد خصيصاً للمحكوم عليهم بالموت، وسار بضع خطوات ثم استلقى على أريكته ومات ميتة هادئة.
وهكذا قضى سقراط الذي غالباً ما كان يردد:
’كثيرة هي الأشياء التي لا حاجة لي بها!‘ وقد أبّـنه تلميذه وصديقه أفلاطون بهذه العبارة المؤثرة:
’مات سقراط الذي ما رأينا أنبل منه في مماته مثلما لم نعرف أعدل وأحكم منه في حياته.‘
والسلام عليكم